كانت مهام الخادمة فيما مضى تقتصر على مساعدة ربة البيت في أداء مهامها الصعبة في المنزل، وحتى لا تقف هذه الأعمال أمام تلبية طلبات أبنائها ورعاية زوجها، أصبحت ضروريَّة للجلوس مع الأبناء عند غياب الأمهات في العمل فقط، لكن سرعان ما تطور الأمر لتصبح الخادمة من الأساسيات في المنزل، بل أصبحت بعض النساء والبنات يشترطن وجود خادمة في المنزل، وأصبحت بعض البيوت لا تكتفي بخادمة واحدة؛ فهذه لأعمال التنظيف، وتلك لكي الملابس، وأخرى للطبخ، ورابعة لتقديم واجبات الضيافة. وهذا ما جعل الأسر الخليجية بشكل عام لا تستغني عن الخادمة، وبالتالي صار لهذه المهنة سوقها، ومتاعبها وغير ذلك من تفاصيل وهموم.. وقد شهدت السعودية مؤخرًا جدلاً واسعًا حول استقدام الخادمات، ومنع استقدامهن من بعض الدول، فصدرت العديد من القوانين الجديدة الخاصة بهذا الجانب.
أمام هذا التطور المتسارع فإنَّ السؤال الذي يطرح نفسه، هل تعد الخادمة حاجة أم نوعًا من التباهي والترف؟ ولماذا أصبحت هي الشغل الشاغل للبيوت السعودية والخليجيَّة؟ وهل الحرص على وجودها تلبية لرغبة كامنة في نفس المرأة، أم قناع لكسل الزوجة، وتقاعسها عن أداء مهامها؟ وما المواصفات التي تطلبها ربات المنازل في الخادمات؟ وبماذا تتصف كل جنسية عن غيرها؟ وبعيدًا عن كل ذلك هل هنالك «صلة ما» بين انتشار الخادمات، وخروج المرأة للعمل؟
لا أحب التغيير : عمل الخادمة يحتاج إلى لياقة بدنية، وصحة جيدة؛ لأن الأعباء الملقاة على عاتقها كبيرة، ولذلك فإن سميرة الغامدي اختصاصيَّة الطب النفسي بجدة تفضل أن يتراوح عمر خادمتها بين العشرين والخامسة والأربعين، وتقول: بالطبع أريد خادمتي على مزاجي؛ لأنني أعتبرها واحدة من الأسرة. وأفضل الفلبينية، والإثيوبية، ولا أحب تغيير الخادمة من وقت لآخر، بل أفضل الاستمرارية، فخادمتي التي تعمل عندي في الوقت الراهن مكثت عندي أكثر من 10 سنوات متواصلة، ثم سافرت إلى بلدها لظروف خاصة وعندما قررت العودة مرة أخرى للعمل في السعوديَّة اتصلت بي، وأفصحت لي عن رغبتها بالعودة للعمل عندي، وبالفعل قمت باستقدامها، وهي إثيوبية الجنسية، أعاملها معاملة حسنة، بل أدللها في كثير من الأحيان؛ لأنه لا يعقل أن أقسو عليها ثم أطلب منها أن تحافظ على بيتي وأبنائي، وتنصح الغامدي النساء السعوديات بعدم التنازل عن أدوارهن في البيوت مضيفة: العلاقة يجب أن تكون تكامليَّة بين سيدة المنزل والخادمة، الكل يجب أن يعرف دوره ولا يتعداه، فلا يعقل أن تترك ربة المنزل كل شيء للخادمة، وتتنازل عن دورها تجاه الأبناء والزوج ثم تعود وتشتكي من تدخل الخادمة في شؤون البيت، أو انجذاب الزوج لها.
ليس ضروريًا : وجود الخادمة ليس ضروريًا جدًا، خاصة إذا كان جميع أفراد العائلة متعاونين ومتفاهمين في كافة أمور المنزل. هذا ما أكدته زينب المبارك، معلمة، لكن وعن الآثار السلبية لوجود الخادمة قالت: إن وجود الخادمة في المنزل، وبعيدًا عن حوادث السرقة، والاعتداء على الأطفال التي نسمع عنها من حين لآخر يساهم في ضعف التنشئة الصحيحة، واختلاط بعض المفاهيم الدينية والثقافية لدى الأطفال، كما يولد الكسل عند جميع أفراد الأسرة، ويساهم في جهل الفتيات بأمور المنزل من تنظيف، وطبخ، وغسل، وكي فتصبح اتكالية في المستقبل لا تستطيع العيش دون خادمة.
مساعدة وليست مديرة :تشاركها الرأي خلود القرني، معلمة، وتضيف: في حال إذا كانت الزوجة مريضة، أو غير قادرة على القيام بأعباء المنزل، وأصبح وجود الخادمة أمرًا ضروريًا فلا مانع، لكن بشروط أولها أنَّ الخادمة مساعدة في المنزل وليست مديرة المنزل، وأن تكون كل أعمالها بإدارة وإشراف ربة المنزل، وأن تحدد لها ربة المنزل أعمالاً يوميَّة تقوم بها بعيدًا عن جو الأسرة العائلي، وأن تمنعها من الاختلاط أو التحدث مع الزوج والأبناء الذكور، خاصة المراهقين والشباب، وأن تكون الأم أو الزوجة هي من تطلب من الخادمة القيام بالأعمال التي تخص الأبناء أو الزوج، ولا أُحبذ أبدًا أن تقوم الخادمة بعمل أي خدمة للزوج، إذ إنها مسؤولية الزوجة، وهي من يجب عليها خدمة زوجها وتلبية طلباته، كما يجب معاملة الخادمة معاملة حسنة واحترامها والعطف عليها.
وتقول الفنانة شيرين حطاب: «لا تخلو منازلنا من وجود الخادمة، ولا نستطيع الاستغناء عنها، ولكن يجب ألا يكون اعتمادنا كليًا عليها خاصة بالنسبة لتربية الأبناء، وكذلك لا نعتمد عليها اعتمادًا كليًا بل تكون لمساعدة ربة المنزل وخاصة إذا كانت امرأة عاملة. أما إذا كانت متفرغة لمنزلها ولا تعمل فالأفضل أن تباشر أمور المنزل بنفسها، وإذا استدعى الأمر تحضر خادمة لتساعدها».
الأبناء والخادمة :وتضرب سارة الزهراني، موظفة في أحد البنوك، مثلاً حول إمكانية الاستغناء عن الخادمة في حال وجود تعاون أسري وتقول: قبل الزواج كنت أتعاون وشقيقاتي مع والدتنا في كافة أمور المنزل، فوالدتي ربة منزل ونحن أربع شقيقات، وبالتالي لم نكن بحاجة إلى خادمة فتعاوننا مع والدتنا جعلنا نتقن كافة الأعمال المنزليَّة، وبالتالي بعد الزواج، وفي بداية حياتي الزوجيَّة، لم أكن بحاجة إلى خادمة، لكن مع دخولي مجال العمل لمساعدة زوجي على متطلبات الحياة، وإنجابي طفليَّ الأول والثاني أصبحت بحاجة إلى خادمة لتعينني في شؤون المنزل، وترعى ابنيَّ أثناء غيابي في العمل، وبالتأكيد عانيت كثيرًا مع الخادمات، فهن من جنسيات مختلفة، وديانات مختلفة، وبعد معاناة استمرت أكثر من أربع سنوات وفقت في الحصول على خادمة إندونيسية سأظل أتمسك بها؛ لأنها أكثر من رائعة، ومع ذلك أحرص دائمًا على أن أذكّر ابنيَّ بأنها مجرد عاملة جاءت هنا للمساعدة فقط، وستغادر في أي لحظة وستتركنا وتذهب للعمل عند آخرين، أو أنها ستتفرغ لحياتها الشخصيَّة، المهم ألا أترك لهما المجال ليعتقدا أنَّها فرد من أفراد الأسرة، ويجب عليهما التفاني في حبها.
لا تستقدم إلا عند الحاجة
أما ثريا الغامدي مسؤولة القسم النسائي بمكتب كدسة للاستشارات، وعضوة بجمعية النهضة «وسند» فترى أنّ الحاجة إلى خادمة تعتمد بالنسبة لها على حسب مراحل العمر وتقول: «عن تجربة شخصية لي عندما كنت بعمر صغير لم أكن بحاجة إلى خادمة، وكنت أتولى أمور بيتي وأولادي بنفسي، لكن عندما كبرت قليلاً وكثرت مسؤولياتي احتجت لوجودها بمنزلي إلا أنني لم أقم بتسليمها أمور تربية الأبناء فقد كنت أباشر كل شيء بنفسي، أما هي فتكون مخصصة للتنظيف فقط. ولو نظرنا إلى عادات مجتمعنا لاكتشفنا أننا نعيش في منزل واحد كمجموعة من العائلات، فالبعض يزوج أبناءه ويسكنون بنفس المنزل، ونجد أنّ زوجاتهم يساعدن بالتنظيف، والاهتمام بأمور المنزل إلى جانب الأم والشقيقات إذا وجدن، وهكذا تسير عجلة الحياة ولا يحتاجون إلى خادمة، لكن إذا أجبرت الظروف المرأة على استقدام خادمة فلا حول لها ولا قوة إلا أن ترضى بوجودها وتتحمل مشاكلها».
